هنا طائفة من أقول الشهيد الذي عاش سيدا واستشهد سيدا، هذا الرجل الذي رغم المآسي والمحن اعتبر أحد الذين حركوا الفكر الإسلامي بعد أن تبلد من خلال إنتاجاته الفكرية الغزيرة.
1- تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج
2- إن الكلمة لتنبعث ميتة ، وتصل هامدة ، مهما تكن طنانة رنانة متحمسة ، إذا هي لم تنبعث من قلب يؤمن بها ، ولن يؤمن إنسان بما يقول إلا أن يستحيل هو ترجمة حية لما يقول ، وتجسيماً واقعياً لما ينطق عندئذ يؤمن الناس ، ويثق الناس ، ولو لم يكن في تلك الكلمة طنين ، ولا بريق .
3- هي الأسباب الظاهرة لإصلاح الجماعة البشرية كلها ، عن طريق قيادتها بأيدي المجاهدين الذين فرغت نفوسهم من كل أعراض الدنيا وكل زخارفها ، وهانت عليهم الحياة وهم يخوضون غمار الموت في سبيل الله ، ولم يعد في قلوبهم ما يشغلهم عن الله ، والتطلع إلى رضاه ، وحين تكون القيادة في مثل هذه الأيدي تصلح الأرض كلها ويصلح العباد ، ويصبح عزيزاً على هذه الأيدي أن تسلم في راية القيادة للكفر ، والضلال ، والفساد ، وهي قد اشترتها بالدماء والأرواح ، وكل عزيز ، وغال أرخصته لتتسلم هذه الراية لا لنفسها ولكن لله
4- قليل هم الذين يحملون المبادىء وقليل منهذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من اجل تبليغ هذه المبادىء وقليل هذه من الصفوة الذين يقدمون أرواحهم ودمائهم مناجل نصرة هذه المبادىء والقيم فهم قليل من قليل من قليل
5- فما يخدع الطغاة شيء ما تخدعهم غفلة الجماهير ، وذلتها ، وطاعتها ، وانقيادها ، وما الطاغية إلا فرد لا يملك في الحقيقة قوة ، ولا سلطاناً ، وإنما همي الجماهير الغافلة الذلول ، تمطي له ظهرها فيركب ! وتمد لها أعناقها فيجر ، وتحني لها رؤوسها فيستعلي ! وتتنازل له عن حقها في العزة والكرامة فيطغى !
والجماهير تفعل هذا مخدوعة من جهة ، وخائفة من جهة أخرى ، وهذا الخوف لا ينبعث إلا من الوهم ، فالطاغية - وهو فرد - لا يمكن أن يكون أقوى منالألوف والملايين ، لو أنها شعرت بإنسانيتها ، وكرامتها ، وعزتها ، وحريتها .
6- بذرة الشر تهيج ، ولكن بذرة الخير ، تثمر ، إن الأولى ترتفع في الفضاء سريعا ولكن جذورها في التربة قريبة ، حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ولكن شجرة الخير تظل في نموها البطيء ، لأن عمق جذورها في التربة يعوضها عن الدفء والهواء …
مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ، ونفحص عن قوتها الحقيقية وصلابتها ، تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلابة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة الخير على البلاء ، وتتماسك للعاصفة ، وتظل في نموها الهادئ البطيء ، لا تحفل بما ترجمها به شجرة الشرمن أقذاء وأشواك !…
أفراح الروح
7- وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوة إلى الله ، يسمع ويعرض ، ويتفنن في الصد عن سبيل الله ، والأذى للدعاة ، ويمكر المكر السيء ، ويتولى وهو فخور بما أوقع من الشر والسوء ، وبما أفسد في الأرض ، وبما صد عن سبيل الله ، وبما مكر لدينه ، وعقيدته ، وكاد !
وكم من أبي جهل في تاريخ الدعوات يعتز بعشيرته ، وبقوته ، وبسلطانه ، ويحسبها شيئاً ، وينسى الله وأخذه حتى يأخذه أهون من بعوضة ، وأحقر من ذبابة .. إنما هو الأجل الموعود لا يستقدم لحظة ، ولا يستأخر .
ظلال القرآن 6/3773 .
8- إن الظن يذهب لأول وهلة أن تثبيت الأقدام يسبق النصر ، ويكون سبباً فيه ، وهذا صحيح ، ولكن تأخير ذكره في العبارة يوحي بأن المقصود معنى آخرمن معاني التثبيت ، معنى التثبيت على النصر وتكاليفه ، فالنصر ليس نهاية المعركة بين الكفر والإيمان ، وبين الحق والضلال ، فللنصر تكاليفه في ذات النفس ، وفي واقع الحياة .
للنصر تكاليفه في عدم الزهو به ، والبطر ، وفي عدم التراخي بعده والتهاون ، وكثيرمن النفوس يثبت على المحنة والبلاء ، ولكن القليل هو الذي يثبت على النصر والنعماء ، وصلاح القلوب وثباتها على الحق بعد النصر منزلة أخرى وراء النصر ، ولعل هذا هو ما تشير إليه عبارة القرآن . والعلم لله .
ظلال القرآن 6/3289
.
9- ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى .. لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت ، وانقطاع عن شواغل الأرض ، وضجة الحياة ، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة ، لا بد لها من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقه ، فالاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له ، فلا تحاول تغييره .ظلال القرآن 6/3741 .
10- (والذين هم عن اللغو معرضون). . لغو القول , ولغو الفعل , ولغو الاهتمام والشعور . إن للقلب المؤمن ما يشغله عن اللغو واللهو والهذر . . له ما يشغله من ذكر الله , وتصور جلاله وتدبر آياته في الأنفس والآفاق . وكل مشهد من مشاهد الكون يستغرق اللب , ويشغل الفكر , ويحرك الوجدان . . وله ما يشغله من تكاليف العقيدة:تكاليفها في تطهير القلب , وتزكية النفس وتنقية الضمير . وتكاليفها في السلوك , ومحاولة الثبات على المرتقى العالي الذي يتطلبه الإيمان . وتكاليفها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وصيانة حياة الجماعة من الفساد والانحراف . وتكاليفها في الجهاد لحمايتها ونصرتها وعزتها , والسهر عليها من كيد الأعداء . . وهي تكاليف لا تنتهي , ولا يغفل عنها المؤمن , ولا يعفي نفسه منها , وهي مفروضة عليه فرض عين أو فرض كفاية . وفيها الكفاية لاستغراق الجهد البشري والعمر البشري . والطاقة البشرية محدودة . وهي إما أن تنفق في هذا الذي يصلح الحياة وينميها ويرقيها ; وإما أن تنفق في الهذر واللغو واللهو . والمؤمن مدفوع بحكم عقيدته إلى انفاقها في البناء والتعمير والإصلاح .
ولا ينفي هذا أن يروح المؤمن عن نفسه في الحين بعد الحين . ولكن هذا شيء آخر غير الهذر واللغو والفراغ . . .
11- قال سيد قطب فى "لماذا أعدموني":
"ولابد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة: وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية من يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة، تربية إسلامية صحيحة، وعدم إضاعة الوقت في الأحداث السياسية الجارية، وعدم محاولات فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به, هذا الظرف كان يحتم علىّ أن أبدأ مع كل شاب و أسير ببطء و حذرمن ضرورة فهم العقيدة الإسلامية فهما صحيحا قبل البحث عن تفصيلات النظام و التشريع الإسلامي, و ضرورة عدم إنفاق الجهد فى الحركات السياسية المحلية الحاضرة فى البلاد الإسلامية, للتوفر على التربية الإسلامية الصحيحة لأكبر عدد ممكن. و بعد ذلك تجئ الخطوات التالية بطبيعتها بحكم اقتناع و تربية قاعدة فى المجتمع ذاته ...."
الفكر السلفى للتغيير
هذا آخر ما كتب سيد قطب
12- ( و كم من عالم دين رأيناه يعلم حقيقة دين الله ثم يزيغ عنها ، و يعلن غيرها ، و يستخدم علمه في التحريفات المقصودة , و الفتاوى المطلوبة لسلطان الأرض الزائل ، يحاول أن يثبت بها هذا السلطان المعتدي على سلطان الله و حرماته في الأرض جميعاً ، لقد رأينا من هؤلاء من يعلم و يقول: " إن التشريع حق من حقوق الله سبحانه ؛ من ادعاه فقد ادعى الألوهية ، ومن ادعى الألوهية فقد كفر ، ومن أقر له بهذا الحق و تابعه عليه فقد كفر أيضاً "، و مع ذلك - مع علمه بهذه الحقيقة التي يعلمها الدين بالضرورة - فإنه يدعو للطواغيت الذين يدّعون حق التشريع , و يدّعون الألوهية بادعاء هذا الحق ، ممن حكم عليهم هو بالكفر ، و يسميهم " المسلمين " ، و يسمي ما يزاولونه إسلاما لا إسلام بعده ) [الظلال: ج19/ص1397].
13- إن راية المسلم التي يحامي عنها ؛ هي عقيدته ، و وطنه الذي يجاهد من أجله ؛ هو البلد الذي تقام شريعة الله فيه ، و أرضه التي يدفع عنها ؛ هي " دار الإسلام " ، التي تتخذ المنهج الإسلامي منهجاً للحياة ، و كل تصور آخر للوطن هو تصور غير إسلامي ، تنضح به الجاهليات ، و لا يعرفه الإسلام ) [الظلال: ج 2 / ص 183 ].
14- وليس في إسلامنا ما نخجل منه، وما نضطر للدفاع عنه، وليس فيه ما نتدسس به للناس تدسساً، أو ما نتلعثم في الجهر به على حقيقته .. إن الهزيمة الروحية أمام الغرب وأمام الشرق وأمام أوضاع الجاهلية هنا وهناك هي التي تجعل بعض الناس .. "المسلمين" .. يتلمس للإسلام موافقات جزئية من النظم البشرية، أو يتلمس من أعمال "الحضارة" الجاهلية ما يسند به أعمال الإسلام وقضاءه في بعض الأمور..
إنه إذا كان هناك من يحتاج للدفاع والتبرير والاعتذار فليس هو الذي يقدم الإسلام للناس. وإنما هو ذاك الذي يحيا في هذه الجاهلية المهلهلة المليئة بالمتناقضات وبالنقائض والعيوب، ويريد أن يتلمس المبررات للجاهلية. وهؤلاء هم الذين يهاجمون الإسلام ويلجئون بعض محبيه الذين يجهلون حقيقته إلى الدفاع عنه، كأنه متهم مضطر للدفاع عن نفسه في قفص الاتهام!
معالم في الطريق
15- (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ، ومن أوفى بعهده من الله ، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم)
(التوبة: 111)
(إن الدخول في الإسلام صفقة بين متابيعين.. الله سبحانه هو المشتري والمؤمن فيها هو البائع ، فهي بيعة مع الله لايبقى بعدها للمؤمن من شيء في نفسه ، ولا في ماله يحتجزه دون الله -سبحانه- ودون الجهاد في سبيله ، لتكون كلمة الله هي العليا ، وليكون الدين كله لله...
إن الجهاد في سبيل الله بيعة معقودة بعنق كل مؤمن... كل مؤمن على الإطلاق منذ كانت الرسل ، ومنذ كان دين الله.. إنها السنة الجارية التي لا تستقيم الحياة بدونها ولا تصلح الحياة بتركها ، بعونك اللهم فإن العقد رهيب.. وهؤلاء الذين يزعمون أنفسهم (مسلمين) في مشارق الأرض ومغاربها ، قاعدون ، لا يجاهدون لتقرير الوهية الله في الأرض ، وطرد الطواغيت الغاصبة لحقوق الربوبية وخصائصها في حياة العباد ، ولا يقتلون ولا ي قتلون ، ولا يجاهدون جهادا ما دون القتل والقتال)(1). 1- في ظلال القرآن (11-1716) -ط/الشروق.
16- إن منهج التلقي للتنفيذ والعمل هو الذي صنع الجيل الأول . ومنهج التلقي للدراسة والمتاع هو الذي خرَّج الأجيال التي تليه .. وما من شك أن هذا العامل الثاني كان عاملاً أساسيًا كذلك في اختلاف الأجيال كلها عن ذلك الجيل المميز الفريد ..